ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج في المغرب: تشخيص الأسباب واستشراف الحلول

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم


ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج في المغرب: تشخيص الأسباب واستشراف الحلول

عزوف الشباب عن الزواج في المغرب 



ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج في المغرب: تشخيص الأسباب واستشراف الحلول 

في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة اجتماعية لافتة في المغرب تتمثل في تراجع معدلات الزواج بين الشباب، خاصة في الفئة العمرية بين 25 و35 عامًا. هذا التحول ليس مجرد تغير ديموغرافي، بل هو انعكاس لتحولات عميقة في البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع المغربي. فما هي الأسباب الكامنة وراء عزوف الشباب عن الزواج؟ وهل يمكن اعتبار هذه الظاهرة مجرد "أزمة عابرة" أم أنها إشارة إلى تغيرات جذرية في مفهوم الأسرة وقيمها؟  

1. الأسباب الاقتصادية: عبء التكاليف وغياب الاستقرار المادي  

تُعد العوامل الاقتصادية من أبرز الدوافع وراء تأخر الشباب المغاربة في الزواج، وذلك بسبب:  

- **ارتفاع تكاليف الزواج**: تشير الإحصائيات إلى أن متوسط تكاليف الزواج في المغرب (شاملًا حفل الزفاف، والشقة، والمهر) يتجاوز 100 ألف درهم (حوالي 10 آلاف دولار)، وهو مبلغ يفوق قدرة الكثيرين في ظل معدل دخل فردي لا يتجاوز 3500 درهم شهريًا.  

البطالة وهشاشة العمل: يعاني 22% من الشباب المغربي من البطالة (حسب المندوبية السامية للتخطيط، 2023)، وتزداد النسبة بين حاملي الشهادات الجامعية بسبب عدم توافق مخرجات التعليم مع سوق العمل.  

أزمة السكن: يُضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار العقارات وغياب سياسات دعم السكن الاجتماعي، مما يجعل امتلاك منزل عصيًا على الكثيرين.  

2. التحولات الاجتماعية والثقافية: من "الزواج التقليدي" إلى "الفردانية 

شهد المجتمع المغربي تحولات قيمية عميقة أثرت على نظرة الشباب للزواج:  

- تأخر سن الزواج لصالح التعليم: أصبح استكمال الدراسة الجامعية والعمل على بناء مستقبل مهني أولوية للشباب، خاصة الفتيات اللواتي يشكلن 52% من طلاب الجامعات.  

تغير توقعات الشريك/ة: لم يعد الزواج مجرد "إتمام للشروط الاجتماعية"، بل تحول إلى شراكة قائمة على التوافق الفكري والعاطفي، مما يطيل فترة البحث عن الشريك المناسب.  

تأثير العولمة ووسائل التواصل: أدى التعرض لنماذج حياة مختلفة عبر السوشيال ميديا إلى بروز تطلعات فردية، مثل السفر أو تحقيق الذات، قد تتعارض مع التزامات الزواج التقليدي.  

3. العوامل القانونية والمؤسساتية: إشكالات مدونة الأسرة

على الرغم من التعديلات التي شهدتها "مدونة الأسرة" سنة 2004 لتعزيز حقوق المرأة، إلا أن بعض بنودها أصبحت مصدرًا للتوتر:  

تعقيد إجراءات الطلاق: خشية الشباب من التبعات القانونية في حال فشل الزواج، خاصة مع ارتفاع معدلات الطلاق التي تصل إلى 34% في بعض المدن الكبرى.  

- **قضايا النفقة والحضانة**: تزايد التحفظ عند الرجال بسبب التزامات النفقة التي قد تستمر حتى بعد الطلاق، بينما تتردد النساء في الزواج خوفًا من فقدان الحقوق في حال الانفصال.  

4. الضغوط الأسرية والمجتمعية: بين التقاليد والواقع الجديد 

لا يزال المجتمع المغربي يتمسك بصور تقليدية عن الزواج، لكن الواقع يعكس تناقضات صارخة:  

تضارب التوقعات: تُصر العديد من الأسر على اختيار الشريك وفق معايير اجتماعية (كالنسب والمستوى المادي)، بينما يبحث الشباب عن علاقات عصرية قائمة على الحب.  

الوصمة الاجتماعية: يواجه الشباب العازف عن الزواج انتقادات مجتمعية تُحمّله مسؤولية "التمرد على التقاليد"، مما يدفع البعض إلى الانعزال أو الهجرة.  

5. الحلول المطروحة: نحو سياسات شاملة**  

مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تدخلًا متعدد الأبعاد:  

اقتصاديًا: تفعيل برامج دعم الشباب مثل "صندوق التماسك الاجتماعي" وتسهيل القروض السكنية بفائدة منخفضة.  

ثقافيًا: تشجيع الحوار المجتمعي حول نماذج زواج بديلة (كالزواج المدني أو الزواج بدون مهر فاخر).  

قانونيًا: مراجعة مدونة الأسرة لتحقيق توازن بين حقوق الطرفين، وتبسيط إجراءات الزواج المدني.  

(خاتمة)

عزوف الشباب المغاربة عن الزواج ليس رفضًا للقيم الأسرية، بل هو صرخة ضد واقع اقتصادي واجتماعي غير مُجْدٍ. إن معالجة هذه الظاهرة لن تتحقق بفرض حلول فوقية، بل ببناء سياسات تستمع إلى صوت الشباب وتدمجهم كشركاء في صناعة المستقبل. فكما قال المفكر عبد الله العروي: "لا تقدم دون مساءلة الموروث".

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين

إرسال تعليق

أحدث أقدم

Follow Us